قطر وسياسة التجنيس: هل يتم استهداف المواهب الجزائرية؟

أثارت قضية اللاعب عمر رفيق، نجم نادي الشمال القطري، جدلًا واسعًا بعد رفضه الانضمام إلى المنتخب الجزائري، مما دفع الاتحاد الجزائري لكرة القدم (FAF) إلى فتح تحقيق حول ملابسات انتقاله إلى قطر. هل لهذا القرار علاقة بتجنيسه المحتمل لصالح منتخب العنابي؟ وهل الجزائر تواجه تهديدًا حقيقيًا باستنزاف مواهبها الكروية؟
في هذا التقرير، نرصد أبعاد التجنيس في كرة القدم، وكيف أصبحت الجزائر واحدة من أكبر المتضررين من هذه الظاهرة، وسط قوانين الفيفا التي لا تزال تسمح للدول الغنية باستغلال المواهب الناشئة.
التجنيس: أداة رياضية أم وسيلة للهيمنة؟
التجنيس في كرة القدم ليس ظاهرة جديدة، لكنه أصبح وسيلة تلجأ إليها بعض الدول لشراء المواهب وتعزيز منتخباتها بلاعبين لم يولدوا أو ينشؤوا داخلها. وتنص لوائح الفيفا على أن أي لاعب يحمل جنسية بلد معين يصبح مؤهلًا لتمثيله دوليًا، بشرط استيفاء شروط محددة مثل الإقامة لمدة خمس سنوات أو وجود روابط عائلية مباشرة.
ومع ذلك، فإن دولًا مثل قطر تمكنت من استغلال ثغرات القانون عبر استقدام مواهب شابة من بلدان أخرى ومنحها الفرصة للتطور محليًا، قبل أن يتم تجنيسها وتمثيلها على المستوى الدولي.
قطر وسياسة التجنيس: هل يتم استهداف المواهب الجزائرية؟
على مدار الأعوام الماضية، شهدت كرة القدم القطرية موجة تجنيس كبيرة، حيث ضم منتخب العنابي العديد من اللاعبين ذوي الأصول الأجنبية، مثل بوضياف، خوخي، والمعز علي.
في حالة عمر رفيق، تشير التقارير إلى أن انتقاله إلى قطر لم يكن عشوائيًا، بل قد يكون جزءًا من مشروع طويل الأمد يهدف إلى تجنيسه ليكون ضمن قائمة منتخب قطر مستقبلاً. وبالنظر إلى سوابق قطر في هذا الملف، فإن الأمر قد لا يكون مفاجئًا.
وقد سبق أن اعتمدت قطر الطريقة ذاتها في رياضات أخرى، مثل كرة اليد، حيث وصلت إلى نهائي كأس العالم 2015 بمنتخب لم يكن يضم سوى لاعبين اثنين فقط وُلدا في قطر من أصل 17 لاعبًا!
لوائح الفيفا الجديدة: هل تحمي المنتخبات الأصلية؟
أمام تزايد الانتقادات، قامت الفيفا في 2004 بتعديل قوانين التجنيس، بحيث يتطلب اللاعب إثبات “رابط واضح” مع البلد الذي يريد تمثيله، مثل الإقامة الطويلة أو وجود أحد الوالدين أو الأجداد من مواليده.
لكن قطر، كغيرها من الدول، وجدت ثغرات قانونية، فبدأت بجذب اللاعبين الناشئين وتوفير إقامة طويلة لهم، لضمان إمكانية تجنيسهم لاحقًا دون عقبات قانونية.
ورغم أن الفيفا شددت قوانين التجنيس مرة أخرى في 2008 برفع مدة الإقامة إلى خمس سنوات، إلا أن هذه المدة لا تزال كافية لتحويل المواهب الشابة إلى “أبناء الوطن الجديد”.
التحدي الجزائري: كيف نوقف النزيف؟
الجزائر واحدة من أكثر الدول المتضررة من استنزاف المواهب، حيث تخسر لاعبين قد يصبحون نجوم المستقبل بسبب عروض مغرية من دول أخرى. ورغم أن الاتحاد الجزائري لكرة القدم بدأ يتحرك في ملف عمر رفيق، إلا أن المواجهة تتطلب تحركًا أوسع.
1. الضغط على الفيفا لتعديل القوانين
من الضروري أن تعمل الجزائر على تكوين تحالفات مع اتحادات كروية أخرى تعاني من نفس المشكلة، للضغط على الفيفا من أجل تشديد قوانين التجنيس وتقليل استغلال اللاعبين القُصّر.
2. تعزيز الأكاديميات المحلية
يجب على الجزائر الاستثمار في المواهب الشابة وإيجاد حلول لإبقائها داخل البلاد، مثل تحسين برامج التطوير وتوفير عقود احترافية مبكرة تمنح اللاعبين مستقبلًا واضحًا في وطنهم.
3. متابعة اللاعبين مزدوجي الجنسية
الاتحاد الجزائري بحاجة إلى التواصل الدائم مع اللاعبين مزدوجي الجنسية، لضمان عدم ضياعهم لمصلحة دول أخرى، خاصة في ظل تخفيف الفيفا لقوانين تغيير الجنسية في 2020.
الخاتمة: معركة طويلة الأمد
قضية عمر رفيق ليست سوى نموذج واحد لمشكلة أكبر تواجه الجزائر. ومع استمرار الدول الغنية في استغلال الثغرات القانونية، فإن الخطر لا يزال قائماً.
إذا لم تتخذ الجزائر إجراءات جادة، فقد تجد نفسها في المستقبل بدون قاعدة قوية من المواهب، مما سيؤثر سلبًا على مستوى المنتخب الوطني. الحل يبدأ من الداخل، ولكن لا بد أيضًا من تحرك دولي جماعي لإيقاف “مافيا التجنيس”، التي تهدد نزاهة كرة القدم العالمية.
فهل ستكون الجزائر قادرة على الدفاع عن نجومها القادمين؟ أم أن المال سيواصل السيطرة على مصير الكرة العالمية؟